في مصر لا يُولد الناس فحسب بل تُولد المواهب، من رحم الأرض، من صبر الأرياف، ومن صدق الشوارع التي تعلّم أبناءها قبل أن تُعلّمهم المدارس، هذه البلاد ليست فقط مهد الحضارة، بل مصنع الإبداع، فيها طفل يرسم لوحات لا يعرف أنها فن، وشاب يغني دون أن يدري أن صوته يصلح للمسارح الكبرى، وفتاة تحكي الحكايات كما لو كانت نجيب محفوظة الهوى.

من القرى الصغيرة إلى الأحياء الشعبية، ينبض الوطن بمواهب في الرياضة والثقافة والأدب والفن، مواهب لا ينقصها الإبداع بل الإنصاف، إن نظرتَ بعين الجوهرجي، رأيتَ في كل بيت قطعة ماس، لكن المشكلة أن أغلبنا ينظر بعين العابر، لا بعين الباحث عن الذهب في باطن التراب.

من يتابع السوشيال ميديا بدقّة، سيجد فيديوهات تُوثّق وجوهًا نقيّة، أصواتًا صافية، أقدامًا تركل الكرة وكأنها خلقت في أكاديميات أوروبا، أقلامًا تكتب الشعر وكأنها نُسخت من زمن المتنبي، لكن كل هذا يضيع بين زحام اللايكات دون أن تمتد إليه يد ترعاه، أو عقل يُخطّط لاستثماره ككنز وطني.

الموهبة إذا تُركت بلا رعاية، تذبل، وإذا أُهملت، قد تتحول من طاقة بناء إلى طاقة ندم، نحن بحاجة إلى أن ننظر لأطفالنا في الريف والصعيد نظرة وطن لا نظرة شفقة، فهم ليسوا في الهامش، بل في القلب، نحتاج إلى مراكز اكتشاف لا مراكز تجميل، إلى احتواء لا احتفاء موسمي، وإلى مسؤولين يملكون أذنًا تسمع قبل أن يلتقطهم الآخرون، وهو ما تم مؤخرًا.

إن الموهبة ليست رفاهية، بل ثروة وطنية خام، فإما أن نصنع منها مجدًا، أو نتركها في مهب النسيان.