يقصد بالتعبئة، ببساطة، تحويل غالبية قدرات الدولة بشكل عام، والقدرات العسكرية بشكل خاص من مرحلة “السلم” إلى مرحلة “الحرب” لمواجهة أخطار داخلية وخارجية متوقعة، أو متوهمة، سواء أكانت بشرية، أو طبيعية.

وتشمل “التعبئة العسكرية” القدرات الأمنية والبشرية والمالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وبما يخدم الجاهزية الوطنية، وتعزيز قدرات الدولة على التصدي للمخاطر وتحقيق المصلحة العليا.

والتعبئة العسكرية قرار مفصلي لمواجهة تهديد محتمل أو لتنفيذ مخططات معينة، ولذلك، ومنذ عدة أشهر، وخصوصا بعد فشلها الذريع في القضاء على المقاومة الفلسطينية، تحاول “إسرائيل” احتلال غزة بالكامل.

وسبق لمجلس الوزراء الصهيوني المصغر “الكابينت” أن مَدّد يوم 2 آذار/ مارس 2025 صلاحية “التعبئة الاحتياطية”، بحيث يُمكن استدعاء حتى 400 ألف جندي احتياط لغاية 29 أيار/ مايو 2025.

ووافقت الحكومة يوم 8 آب/ أغسطس الحالي على اقتراح رئيسها “بنيامين نتنياهو” لغزو غزة، والمخيمات الوسطى، وتهجير مليون فلسطيني جنوباً، رغم المعارضة الدولية والداخلية لهذه الخطة الجنونية والانتقامية!.

وبعد يومين منح “نتنياهو” لوزير الجيش “يسرائيل كاتس” الصلاحية لاستدعاء ما يقرب من 430 ألف جندي احتياطي حتّى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، استعدادا لاحتلال غزة!.

وهنالك الآن تسريبات تؤكد أن ست فرق عسكرية “إسرائيلية” ستشارك في الحرب البرية لاحتلال غزة، ونقل سكانها إلى “مراكز إيواء” ومراكز لتوزيع المساعدات قبل انطلاق العملية المرتقبة بشهر ونصف الشهر!.

وعندما ندقق في قدرات “إسرائيل” العسكرية، ومن مراكز متخصصة، سنجدها تمتلك 173 ألف جندي بالخدمة الفعلية، وأكثر من 465 ألف جندي احتياط.

ولديها 595 طائرة مقاتلة ومسيّرة ومروحية، وجميعها تمتاز بقدراتها التكنولوجية المتقدمة.

وتمتلك أيضا 1650 دبابة، وقُرابة 7500 مدرعة قتالية، ونحو 950 مدفعا ذاتي الحركة وميدانيا وغيرها من المعدات الحديثة.

ولو افترضنا استخدام 600 ألف عسكري “إسرائيلي” على أقل تقدير في الهجوم المرتقب، فهذا يعني، وبحسبة بسيطة، أن كل مدني في غزة سيقابله ثلاثة جنود وبأحدث الأسلحة، عدا آلاف الدبابات والمدرعات والطائرات!

وأمام هذه المعطيات نتساءل، وبحيرة مزعجة:

– ما الغاية من تجييش مئات آلاف المقاتلين لمواجهة نحو مليون ونصف المليون مدني أعزل في غزة؟

– وهل أصبحت غزة تُهدد الوجود “الإسرائيلي” بعد صمودها لعام وعشرة أشهر، ولهذا يُريدون محوها؟

– وكيف ستَنْقل “إسرائيل” أكثر من مليون شخص نحو الجنوب رغم المقاومة والدمار، وكيف ستتعامل مع هذه الأعداد الهائلة وبينهم المرضى وكبار السن، فهل ستسحقهم، ويكون مصيرهم بين قتيل، وجريح، ومعوق، وأسير، ومهجر، ومطارد، وكأنها لم تُشْبِع أحقادها بأكثر من 120 ألف فلسطيني بين شهيد ومعوق ومفقود، منذ 679 يوما؟

– وهل سيستسلم أهالي غزة بهذه السهولة التي تتصورها “إسرائيل”، أم أنها ستستخدم القوة المميتة لتحقيق خطتها؟

– وهل “نتنياهو” يهرول نحو الحرب الشاملة لحفظ ماء وجهه، وتجنب مواجهة تداعيات الغضب الداخلي، وخصوصا ملف الأسرى لدى المقاومة؟

– وأخيرا، فإن التعبئة العسكرية، وفقا للأدبيات العسكرية، تُعْلَن أوقات الحروب الحاسمة والتهديدات الضخمة، فهل هذه الأسباب متوافرة في غزة الآن؟

يبدو أن “إسرائيل” تريد إعلان “التعبئة” للخلاص من الموقف الهزيل القائم نتيجة لصلابة المقاومة الرافضة للاستسلام والتراجع!

ولهذا قال رئيس الأركان الجيش “الإسرائيلي” الفريق “إيال زمير”، إن خطة “نتنياهو” ستُعرّض “حياة الرهائن للخطر”، وستُرسل جنود “إسرائيل” إلى “فَخّ الموت”.

فهل عرفتم الآن كمية الرعب في قلوب قادة “إسرائيل” وعقولهم؟

عملية غزة المرتقبة ستُزيد من عزلة “إسرائيل”، وستجهض أي محاولة لإنقاذ أسْراها لدى المقاومة، وربما، لا تحصل حتى على جثثهم، وهذا سيفتح الباب لمظاهرات عارمة بالمدن “الإسرائيلية”.

التطورات الخطيرة تُحتِّم على المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية ضرورة الإسراع لتخليص المدنيين الغزيين من مجزرة “إسرائيلية” محققة ووقف الحرب قبل أن يكون العالم، بعد شهر ونصف الشهر، بمواجهة مجزرة جديدة قد تتجاوز كافة التوقعات من حيث الكم والنوع والبشاعة!.